العالمين ، وأكد ذلك
قوله : (( مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)) . الحمد لله رب العالمين
، أحمده سبحانه حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه
وعظيم سلطانه ،
وأشكره على آلائه وأستغفره – وهو الغفور الرحيم – من خطئي وزللي وأعوذ
بوجهه الكريم من شرور نفسي وسيئات عملي . وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين . أما بعد . فإن أصل هذه الرسالة
محاضرة ألقيت بنفس العنوان " فاعلم أنه لا إله إلا الله " ضمن الدروس
القرآنية العامة التي كنت ألقيها في جامع الراجحي بالربوة في مدينة الرياض
، وقد رأى بعض الإخوة طباعتها ليعم النفع بها ، وقام مشكوراً بتفريغها من
الشريط فأجبته إلى ذلك وأعدت مراجعتها وعدلت فيها ما يحتاج التعديل ،
لتصبح صالحة للنشر ، فلغة المحاضرة تختلف عن لغة الكتاب ، ومع ذلك سيبقى
فيها ما يحتاج لإعادة النظر ، لأن النقص من صفات البشر ن وقد كنت أود أن
أكتب لها مقدمة ضافية تليق بأهمية الموضوع إلا أن ضيق الوقت حال دون ذلك ،
وعسى أن يسر الله عز وجل – وهو الكريم المنان – كتابة المقدمة المأمولة في
طبعة قادمة إن شاء الله تعالى ، وكم لله تعالى على عباده من أفضال عظيمة
وآلاء جسيمة ، ييسر لهم الأمور ويحقق لهم المنى وذلك على الله يسير . وقد
قام أخونا الفاضل / نايف بن حبيب آل عر يعر بتخريج أحاديثها ، ومتابعة
مراحل طباعتها فله جزيل الشكر وفقنا الله وإياه لطاعته وغفر لنا الذنوب
وستر العيوب وجمعنا ومن نحب في دار كرامته إنه قريب مجيب ، والله تعالى
الموفق والمعين . وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه .
لما
جاءهم النبي وطلب منهم أن يقولوا كلمة واحدة تدين لهم العرب – يعني تطيع -
ويملكون بها العجم قالوا له : نعطيك عشر كلمات فقال عليه الصلاة والسلام :
(( قولوا لا إله إلا الله )) فقالوا (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً
وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)) (صّ:5) . فعلموا المعنى ، وعرفوا
أنهم إذا قالوا " لا إله إلا الله " تغيرت حياتهم ، وانتقلوا من حياة إلى
حياة وانقطعت صلتهم انقطاعاً تاماً في الاعتقادات والتعبدات بطريقتهم
الأولى ، ولما فسد السليقة ، وتغيرت المعرفة بلغة العرب جهل المسلمون معنى
كلمة التوحيد ، جهلوا معنى " لا إله إلا الله " فأصبح كثيرون ينطقونها
ولكنهم في واقع الأمر ينقضونها . إذاً لا بد من شرح معنى هذه الكلمة ، ولا
بد من بيان ما دلت عليه ، ولا بد من بيان نواقضها حتى يكون المسلم على
بصيرة من دينه خاصة في هذا أن تعيد النظر في نفسها ، وفي الخلل الذي أضر
بها ، وهذا الخلل معظمه من الداخل وأقله من الخارج.rالوقت الذي تكالبت فيه
الأمم على أمة الإسلام فكان لزاماً على أمة محمد إن أصل الإسلام يقوم على
الشهادتين : شهادة " أن لا إله إلا الله " وشهادة " أن محمداً رسول الله "
. فشهادة أن لا إله إلا الله معناها : توحيد المعبود ، وشهادة أن محمداً
رسول معناها : توحيد المتبوع – عليه الصلاة والسلام - وسنتكلم عن الأولى
شهادة " أن لا إله إلا الله " ، فمن شهد أن لا إله إلا الله وعلم معناها
وعمل بمقتضاها فإنه تلقائياً يشهد أن محمداً رسول الله . إن معنى كلمة "
شهادة " في لغة العرب : الخبر القاطع الصادر عن علم ويقين . فتضمنت كلمة
الشهادة أمرين : الأول : علم ويقين ، وهذا يكون في القلب .